الأربعاء، 7 مارس 2012



انطلاق العصر العلمي
نحن نعيش في عصر العلم، هذا العصر الذي انطلق منذ أكثر من خمسمائة سنة، نتيجة للخلافات التي حدث منذ ذلك الوقت في الإدارة الكنسية الأمر الذي أدى إلى انشقاق في الكنيسة الكاثوليكية وثورة مارتن لوثر وغيرها.
ونتيجة لهذا الحدث أدى الأمر بعامة الشعب إلى الشعور بالشك في الموضوع الديني برمته، فراح القادة المدنيين الذي كان يعيشون حياة فيها الكثير من التسليم بمشيئة الله، يفتشون ويبحثون عن الحقيقة الإلهية خارج الإطار الديني. ومن هنا نشأ مع يعرف بالبحث الموضوعي أو المقاربة الموضوعية لاكتساب المعرفة، وهكذا صنفت طريقة اكتساب المعرفة الدينية بالمقاربة الذاتية لاكتساب المعرفة. أي اكتساب المعرفة بطريقة الوحي والإلهام والتنبؤ، وغيرها من الطرق الذاتية التي تعتمد على تطور الذات الفردي ويدرك الإنسان الحقيقة من داخل ذاته.
المقاربة الموضوعية العلمية
وبالعودة إلى المقاربة الموضعية لاكتساب المعرفة، فهي الأسلوب الذي اعتمده العلم الحديث منذ بداياته، أي أن يأخذ الباحث موضوعاً معيناً ويبدأ من المستوى السطحي الملموس ويتعمق في تركيبته ووظائفه كي يصل إلى مصدره وحقيقته، ومن هنا تشعبت العلوم وتكاثرت، وبالرغم من أنها هذه العلوم كانت موجودة في الأساس إلا أنه تم استحداثها بطرق وأساليب جديدة، ومثال على ذلك علوم الطب والهندسة المعمارية والرياضيات وغيرها من العلوم. وفي كل هذا كانت الغاية للوصول إلى اكتشاف الحقيقة الإلهية.
ونتيجة لهذا الأسلوب في التعمق في المادة توصل العلم إلى اكتشافات لم تكن معروفة في الحقبة التاريخية المدونة، أي منذ حوالي خمسة آلاف سنة من عمر الكرة الأرضية التي يعود تاريخها إلى ملايين السنين.
ومع هذه الاكتشافات الحديثة التي لم يستطع رجال الدين في ذلك الزمان في الغرب، أن يجدوا لها تفسيرات دينية واضحة، دبّ الخلاف بين العلم والدين، وما كان العالم الإيطالي غاليلو الشهيد الأول لاكتشافه أن الأرض هي كروية الشكل وليست مسطحة كما كان المعتقد الديني، فرجم حتى الموت.
خلاف العلم والدين
غاليلوبالرغم من أن العديد من العلوم كانت مزدهرة في الحضارات القديمة مثل الحضارة الفرعونية واليونانية والرومانية وحضارات ما بين النهرين والفرس والحضارة الفيدية القديمة في الهند وغيرها، إلا أن وهج هذه العلوم القديمة قد اضمحل في ضوء الديانات حديثة التي تعرف بالديانات السماوية.
ولكن هذا الخلاف بين العلم والدين لم يردع رجال البحث العلمي، لا بل زادهم اندفاعاً في بحوثهم العلمية. كانت الاكتشافات العلمية جذابة ومغرية، وأعطت العلماء الشعور بأن هناك المزيد مما يمكن أن يكتشفوه، ويستطيعون به الحصول على طاقة اكبر وسيطرة أكثر في المجتمع، وبدأ العصر العلمي يتعمق تدريجياً بمستويات الوجود المادي، فكان المستوى الميكانيكي الذي بدأ بتسهيل حياة الإنسان. ومن ثم تطورت الاكتشافات وتعمقت إلى الوصول إلى المستوى الكهربائي، ومنه الميكانيكية الكهربائية، وأيضاً المستوى الكيميائي، وبذلك بدأ ما يعرف بالثورة الصناعية، فالسيارة والطائرة مثلاً هي نتاج التطور الميكانيكي الكهربائي والكيميائي. ومن ثم المستوى الالكتروني، الذي أعطى قدرة أكبر في استخدام قوانين فعالة في الطبيعة وعلى زيادة الرفاهية في المجتمع، هذا ما جعل الديانات تتقوقع، وينحصر دورها في أمور الإيمان والتطور الروحي. وكانت النتيجة بفصل الدين عن الدولة، وكانت النتيجة النظام السائد في الغرب، أي دول علمانية حرية المعتقد عن الشعب.
التوجه إلى المبادئ العلمية
هذا النظام الجديد، جعل الناس يقفون محتارين بين اللحاق بالركب العلمي السريع، أو إتباع المبادئ الدينية. ولكن مع تكاثر الاكتشافات العلمية السريعة، اندفع غالبية الناس بشكل تلقائي إلى اللحاق بالتطور العلمي. الأمر الذي تطلب تحديث وتغيير جزري في أنظمة التربية والتعليم، فكانت الأنظمة والمناهج التعليمية الحديثة، التي لم تترك سوى حصة واحدة أسبوعياً للتعليم الديني. مع هذا التغيير الجزري في الغرب، ومع كل هذه الاكتشافات الحديثة وكل هذا التطور المادي وعلى جميع الأصعدة، ومع ما ترافق معه من انفتاح وتوسع واستعمار واكتشاف قارة أميركا، نقل الغرب إلى الشعوب في الشرق والجنوب من الكرة الأرضية، الأساليب العلمية والاكتشافات الحديثة. أما الشعوب الشرق التي لم تعاني من مشاكل مع الهيئات الدينية مثلما حدث في أوروبا، فوجدت أنها مرغمة على إتباع التطور الغربي خوفها من وقوعها في التخلف والتقوقع. وهكذا انتقل الخلاف بين الدين والعلم من الغرب إلى الشرق وعم في جميع أنحاء العالم وأصبحت التبعية الدينية الصرفة عند القلة من الناس وأصبحت شيء من التقاليد والتراث.
أما الاكتشافات العلمية فلم تتوقف عند حدود المستوى الميكانيكي والكهربائي والكيمائي والالكتروني، بل تابعة إلى المستوى الذري والنووي، وأيضاً إلى مستوى حقول الطاقة ومنها إلى الحقل الموحد، ألذي يشير إليه العلم أنه حقول واحد لا محدود وغير ظاهر، ومن انبثق الكون أجمع.
العودة إلى التوافق بين العلم والدين
هناك تيار علمية متعددة منها من يربط هذه الاكتشافات الحديثة مع النصوص والكتب للحضارات القديمة بما في ذلك الكتب الدينية، ويصرح بعد العلماء الذي اعتمدوا أسلوب المقارنة بين الاكتشافات العلمية والنصوص القديمة، أن هذه النصوص قد ساعدتهم على اكتشاف المزيد من النظريات العلمية. ومثال على ذلك رواية التكوين وآدم وحواء، تحول الأحادية الساكنة إلى تعددية ثلاثية ديناميكية، تجلي أو تجسد الروح الإلهية في الإنسان "آفتار"، البداية والنهاية، الألف والياء، إضافة إلى عبارات كثيرة لقوانين الطبيعة مثل الإنسان هو على صورة الله، الإنسان هو كوني، ملكوت السموات، وأيضاً تأثيرات الصلوات والدعاء والذكر، وغير ذلك من الترابط بين مفاهيم العلم والمبادئ الدينية.
في المقالة المقبلة سنتوسع في نقاط الترابط بين العلم والدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق