الأربعاء، 7 مارس 2012


الطاقة الكونية والإنسان
في المقالات الست السابقة شرحنا الترابط بين النظريات العلمية لوجود الكون والروايات الدينية ووجدنا التطابق الكبير والرائع بينهما. نتابع في هذه المقالة لشرح هذه المستويات المكتشفة علمياً في حياة الإنسان.
طاقة أكبر في المستويات العميقة
هناك مقارنة قام بها أحد العلماء. تتناول تغير التموج والتذبذب بعد انطلاق الطاقة من مستوى الحقل الموحد. تقول علوم الفيزياء أن الكون الظاهر هو حقل من التموج والتذبذب، تماماً يشبه البحر الدائم الحركة. وتقول الفيزياء كلما انطلقت التذبذبات من مصدرها وابتعدت تتغير في غزارتها وقوتها. فالتذبذبات على مستوى التفاعل القوي هي أقوى وأكثر غزارة من التذبذبات على المستوى السطحي من الوجود. لذلك إن وظائف المستويات العميقة من الوجود المادي هي أقوى وأكثر فعالية من وظائف المستويات السطحية. فالتفاعل النووي هو أقوى بكثير من التفاعل الكيميائي مثلاً.
الروح الكونية في تغلغلها في الوجود
في لغة العلوم الدينية، والفلسفات القديمة وخاصة في العلوم الفيدية، يشرحون أن الكون هو حقل من الأنغام والأصوات. وهذه الأنغام هي تمدد للروح الكونية غير المحدودة، (الله الذي هو الروح هو موجود في كل شيء) في كل مستوى من طبقات الوجود تكون للروح الكونية طاقة محددة، ففي مرحلة خلق الكون، تنعكس الروحة الكونية طاقتها بثلاثة وظائف هي: وظيفة الخلق ووظيفة الحفاظ على الخليقة ووظيفة الفناء. في الحضارات القديمة كانوا يشخصون كل شيء، وكانوا يعطون قوى الطبيعة رسوم بشرية، ويعتبرونها متفوقة عن البشر، ويسمونها آلهة أو أنصاف آلهة، وغير ذلك مما نعرفه في الأساطير والروايات القديمة، تماماً كما هي رواية آدم وحواء. هذه المفاهيم التشخيصية لقوى الطبيعة كانت سائد في جميع الحضارات القديمة، بما في ذلك الحضارة اليونانية والفرعونية والهندية والصينية وأيضاً حضارة المايا في الطرف الآخر من الكرة الأرضية. وفي كل هذه الحضارات هناك الخالق وهناك المدبر وهناك أيضاً المدمر الذي يفني المادة التالفة. على صعيد المثال في الحضارة الفيدية هناك براهما الخالق، وفيشنو الذي يحافظ على النظام الإلهي وشيفا الذي يدمر الخليقة الفانية.
وفي الحضارة الفيدية أيضاً يعتقدون أن برهمان (الله) عندما يتدخل في الوجود المادي يظهر بشكل كائن حي ويكون هذا الكائن الحي هو تجلي لروح فيشنو المحافظ، في الديانة الهندوسية التي لها جذورها من العلوم الفيدية (العلوم الفيدية ليس ديانة بحد ذاتها) يعتبرون أن السيد كريشنا هو تجلي أو تجسد لفيشنو.
ثلاث وظائف في البدء
لنطابق هذه القوى الثلاثة مع العلم، قوة التفاعل القوي هي المستوى الأول بعد حقل الجاذبية، وهي الظهور الأول في المادة، لها ثلاثة صفات وهي: الخلق والذكاء المنظم والمادة الفانية، وهذه الصفات مطابقة بالتتالي لبرهما وفيشنو وشيفا، وهؤلاء الصفات الثلاثة هي أيضاً في المسيحية معروفة بالأب والابن والروح القدس. الأب هو الخالق الضابط الكل، خالق السموات والأرض وكل ما يرى وما لا يرى... أما الابن فهو الرب المعلم، الذي يعلّم البشر على العيش بشكل صحيح، أما الروح القدس فهو الرب المحي الذي يزيل فينا الخطيئة ويعطينا الحياة الأبدية. هذه التوصيفات الثلاثة هي الوظائف الثلاثة الأساسية في الكون. أما في الإسلام، يرد في كثير من السور والآيات المقدسة أن الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل، والوكيل هو المنظم للخليقة. والله هو الذي يحييكم ويميتكم. وهكذا نرى كيف أن الديانات القديمة والحديثة جميعها تقر بمبدأ العمل الثلاثي في بداية الخلق.
ومن ناحية أخرى حقل التفاعل القوي له تشبيه بالعقل الكوني، وكذلك بعنصر الحيّة التي أطلقت الفكرة الأولى في رواية آدم وحواء. لذلك يقولون في بعض الأحيان وفي بعض المعتقدات أن الشخص الذي يعطي المعرفة الإلهية هو تجلي العقل، (العقل الكوني)
أنا البداية وأنا النهاية
إن حقل التفاعل القوي هو البداية والنهاية، منه كانت بداية الكون المادي، وبزواله يكون الكون المادي قد زال من قبله. وحقل التفاعل القوي وصفاته الثلاث هي مرادفة لطاقة الخلق وطاقة المحافظة وطاقة الفناء، وعندما نرى كيف أن الطاقة المحافظة على الخليقة في ضمن حقل التفاعل القوي، نكون قد فهمنا لماذا قال معظم المرسلين أنهم البداية والنهاية، السيد كريشنا قال ذلك منذ أكثر خمسة آلاف سنة، بوذا قال ذلك، السيد المسيح قال ذلك أيضاً، والنبي محمد (ص) قيل عنه أنه خاتمة الأنبياء، والحاكم بأمر الله قيل عنه أنه تجلي العقل الكلي. هؤلاء المرسلون جميعاً وكل من أتى مثلهم إلى هذه الأرض من قبلهم وكل من سيأتي مثلهم من بعدهم هو فعلاً البداية والنهاية، وذلك لسبب بسيط أن كل من هؤلاء يحملون تلك الروح العظيمة القوية التي تمتلك القوة التنظيمية والتي وجدت منذ البدء. ونفهم بذلك ما ورد في الأناجيل كيف أن السيد المسيح كان موجوداً في البدء، وسيظل موجوداً إلى انقضاء الدهر.
إن هذه الاستنتاجات والمقارنات هي ليست الوحيدة بل هناك الكثير من الاستنتاجات التي بنية على أحدث الأبحاث العلمية، التي تذهب إلى حد تحليل معنى الخطيئة، ومسببات بقاء فردية الروح وعدم إمكانية توحدها بالطاقة الكونية، وأيضاً ذهبوا بالتحليل في كيفت تخلص الإنسان من الانطباعات النفسية، أي الضغوط والإجهاد stress بلغة العلم، رابطين ذلك بالصلاة والتعبّد وغيرها من الممارسات الدينية.
بالرغم من أن هذه الاستنتاجات لم تنشر بشكل رسمي بين الأوساط العلمية بعد، إلا أنها يتم تداولها بين عدد من التيارات العلمية. ولكن ما يحيّر غالبية العلماء الذين عملوا على الربط بين الاكتشافات العلمية والمبادئ الدينية، هو أنه كيف تم كتابة هذه الروايات منذ آلاف السنين ويتبين الآن مدى مطابقتها مع الاكتشافات العلمية الحديثة.
في المقالة المقبلة سنتوسع في تركيبة الإنسان وأهداف الحياة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق