الأربعاء، 7 مارس 2012


التقارب والتشابه بين العلم والدين
الثلاثية في العلم
في الاكتشافات العلمية توصل العلم إلى كشف المصدر الواحد للوجود، وقد أطلق عليه اسم الحقل الموحد، ومع هذا الاكتشاف، وضعت النظريات للتسلسل المتتابع لانكشاف الكون، تقر النظريات العلمية أن الطاقة الكونية هي طاقة هائلة غير الثلاثيةظاهرة، وعندما تكون هذه الطاقة غير ظاهرة، فيمكنها أن تظهر بأي شكل كان، من هنا أتت "نظرية كل شي" Theory of everything وهذه النظرية هي مرادفة لنظرية الحقل الموحد، الذي هو حقل كل الإمكانيات. هذه الطاقة الكونية غير الظاهرة هي مصدر لكل الظواهر، فهي مصدر الخلق والذكاء والمادة، Creativity, intelligence, matter الطاقة تؤدي إلى الخلق، والذكاء ينظم عملية الخلق والمادة هي المنتج لهذه العملية. وهكذا نرى كيف أن الطاقة الكونية الهامدة قد تفاعلت، وبتفاعلها تظهر بثلاثة أوجه، وهي الخلق والنظام والمادة الفانية. إن هذه الثلاثية الكونية المكتشفة في العلوم الحديثة هي موجودة في الديانات أجمع.
الثلاثية في الدين
في الديانة المسيحية هناك ما يعرف بالثالوث الأقدس، وهذه الثالوث يمثل الله الواحد، وهذا الثالوث يتكون من الأب الخالق، والابن المعلم الذي يرشد البشرية لإتباع النظام الإلهي، والروح القدس هو الرب المحي، الذي يعطي الحياة للإنسان المادي المتكون من التراب، ويلهمه للسير في الطريق المستقيم. وفي نهاية المطاف يرافق الروح إلى جنة الله.

في الإسلام نحن نقرأ بوضوح أن الله هو الخالق، فهو خالق كل شيء، وعلى كل شيء وكيل، والوكيل هو الذي ينظم حياة كل ما خلق، والله هو الذي يميت الكائنات لتعود الروح إليه. وفي تفسيرات صوفية، يعطون الله ثلاثة صفات هي الذات والفعل والصفة. الذات للخلق والفعل لوضع النظام والصفة هي انعكاس صورة الله في خليقته، فالخليقة الظاهرة هي المادة التي تعكس صورة الله.

في الديانات الشرقية القديمة مثل الهندوسية والبوذية وغيرها، فيها جميعها نظرية الثالوث، يقولون أن برهمان له ثلاثة صفات وهي: برهما وهو الخالق، وفشنو وهو المحافظ على الخليقة فينظمها للحفاظ عليها من الهلاك، وشيفا وهو المفني، الذي يفني المادة التالفة ويعيد الروح إلى برهمان المطلق.

أما إذا رجعنا إلى ديانات الحضارات القديمة مثل حضارة الفراعنة وحضارة المايا نجد بوضوح نظرية الصفات الثلاثة للطاقة الإلهية الواحدة. هذا ما يؤكد أن الحقيقة هي واحدة، ولا يمكن أن تكون سوى كذلك، عندما نعلم بشكل علمي يعتمد على صيغ حسابية معقدة وصارمة، أن مصدر الكون هو واحد، نكون قد وصلنا إلى الإثبات الملموس لحقيقة الله. ومع هذه المقارنة يظهر جلياً التوافق بين العلم والدين، وليس ذلك فحسب، بل يظهر أيضاً التقارب الكبير بين الديانات المختلفة القديمة والحديثة.
تكشّف الوجود
إضافة لإظهار الوظائف الثلاثة للحقل الموحد في الخلق والذكاء والمادة وتطابق هذه الوظائف مع الوظائف الإلهية كما هي واردة في جميع الديانات. هناك اكتشاف آخر يظهر التكشف المتتالي لعملية الظهور. في علوم فيزياء الكم، أظهرت الاكتشافات أن حقل الجاذبية هو أول ما ظهر في الكون، قبل ظهور حقل الجاذبية كانت الطاقة الكونية في حالة الهمود، وكأنها نائمة، ومن ثم ونتيجة لتفاعلها ظهر حقل الجاذبية، ونتيجة لقوة التجاذب، وتفاعله بالمطلق، كانت النبضة الأولى، فظهر التوتر وبدأ يتسارع في التوتر لدرجة بدأت تظهر البروتونات، يدعى هذه التوتر السريع "الكوارك"، الذي يظهر من الحقل الموحد غير الظاهر.

تجتمع الكواركات معا لتشكل جسيمات مركبة تسمى هادرونات، الأكثر استقراراً التي هي البروتونات والنيوترونات، وهي مكونات نواة الذرة. لا يمكن أن تظهر الكواركات بشكل مفرد حر فهي دائما محتجزة ضمن هادرونات ثنائية (ميزونات) أو ثلاثية (باريونات) مثل البروتونات والنيوترونات، وتسمى هذه الظاهرة بالحبس اللوني (بالإنجليزية Color confinement‏)، لهذا السبب إن معظم المعلومات عن الكواركات تم استخلاصها من ملاحظات الهادرونات نفسها. يتفاعل الكوارك ويظهر حقل التفاعل القوي عندما تتكون نواة الذرة، وبالتالي بدأ تواجد الذرة التي هي أساس المادة. وعلى هذا المستوى من التفاعل من الضروري جداً أن نذكر أن انكسار التناظر يبدأ هنا. الحقل الموحد هو حقل التناظر التام، ولكن في عملية ظهور الكون، يختل هذا التناظر مسبباً ومهيئاً لظهور المادة.

مع بدء تكون الذرة نتيجة تتفاعل الالكترونات والبروتونات ظهرت الإشعاعات في كل اتجاه، ومع هذه الإشعاعات التي ليس لها تأثيرات قوية، فهي تؤدي إلى ما يسمى في الفيزياء "تغيير النكهة" أطلق على هذا الحقل اسم حقل التفاعل الضعيف.

ومع التفاعل الضعيف والذي ينتج عن إشعاعات المكونات الأولى للوجود على بعضها البعض، ومع القوة التنظيمية الدافعة للتطور تبدأ عناصر المواد في التفاعل، ويعرف هذا التفاعل بالحقل الكهرومغناطيسي وهو المسؤول عن كل الظواهر التي نصادفها في الحياة اليومية، باستثناء الجاذبية. تأخذ المادة العادية شكلها نتيجة لقوة الجزيئات بين الجزيئات الفردية في المادة. القوة الكهرومغناطيسية هي أيضا القوة التي تجمع الالكترونات والبروتونات معا داخل الذرات، التي تشكل أساس بناء الجزيئات. هذا يسبب التفاعل الكيميائي الذي ينشأ عن التفاعلات بين إلكترونات التي تدور في الذرات. وبعد قوة الكهرومغناطيسية تأتي المادة الظاهرة على مختلف الأشكال والألوان. وفي الخلاصة يرتكز الكون على أساسات خمسة:
• الطاقة الكونية غير الظاهرة – الحقل الموحد
• طاقة الجاذبية وهي طرفها غير ظاهر وطرفها الآخر يظهر في الوجود
• التفاعل القوي الذي يسبب أول ظهور للمادة
• التفاعل الضعيف الذي يميّز الموجودات عن بعضها البعض
• التفاعل الكهرومغناطيسي الذي يدفع الموجودات إلى البقاء
في المقالة المقبلة سنتحدث عن الترابط الرائع لهذه المستويات مع المفاهيم الدينية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق