الأربعاء، 7 مارس 2012



العلم ومراحل التكوين
في المقالة السابقة تكلمنا عن المستويات الخمسة الأساسية والعميقة للوجود، وهي الطاقة غير الظاهرة أي الحقل الموحد من ثم الجاذبية وبعدها التفاعل القوي والتفاعل الضعيف والكهرومغناطيسية. إضافة لهذه المستويات الخمسة العميقة المكتشفة حديثاً هناك مستويات المادة الأخرى وهي معروفة جداً مثل طاقة الإدراك والتحسس ووظائف العمل وأعضاء العمل وقواعد الحركة وقواعد المبيت والتجمع وغيرها من مستويات نعرفها من خلال العلوم والقوانين والشرائع والتقاليد الشعبية وغيرها، وهنا لا نتكلم عن الإنسان فقط بل على مستوى الوجود ككل، بما في ذلك الإنسان والحيوان والطيور الأسماك والحشرات والنبات والجماد، وكل ما يدور في الحقل المادي، الحقل النسبي.
الطبقات الخمسةأما هذه الطبقات الخمسة في نظريات فيزياء الكم الحديثة، والتي لا تزال موضوع جدل بين التيارات العلمية المختلة، فهي معروفة جداً منذ القدم وتحديداً في الكتب الدينية والفلسفات والعلوم القديمة.
هذه الطبقات الخمسة تظهر مراحل التكوين كما تقرها الاكتشافات العلمية، هي واردة في الكتب الدينية؛ في المسيحية والإسلام وأيضاً في الديانات القديمة وفي الفلسفات والقصص الشعبية. قبل أن ندخل في المقارنة علينا أن نعرف أن المفاهيم البشرية تختلف مع اختلاف الزمان والمكان. في العصور القديمة لم يكن هناك المقاربات العلمية الموضوعية، بل كانت الحياة تعتمد على تتطور الوعي والإدراك، فكانت غالبية الناس يتعاملون ويتفاهمون بالأمثال والروايات التشبيهية، ولو كان من سيتكلم معهم بلغة العلم لما كان يجد من يفهمه. ولذلك جاء كلام العلماء عن الحقيقية الكونية، في تلك الأزمنة، بالأمثلة ويتطلب ذلك سرد الروايات والأساطير التي تكون في بعض الأحيان غير واقعية وغير حقيقية، أقله نسبة لعصرنا هذا. في دراسات لطريقة التفكير في الحضارات القديمة التي لا تعتمد على المقاربات الموضوعية، كان الهدف الحقيقي هو جعل الفرد يصل إلى المغذى مما يقال له، كي يستنتج ماذا عليه أن يفعل، هذا ما نسميه المقاربة الذاتية للمعرفة، وفي هذه الطريقة تكون المعلومات التي تقال أقل أهمية من المغذى الذي ينتج عنها، المهم أن يستطيع القائل أن يوصل السامع إلى المغذى المطلوب من كلامه، كي يستطيع السامع أن يصل إلى الاستنتاج الصحيح.
في رواية الخلق ماذا تقول النبوءات والروايات الدينية. في سفر التكوين في التوراة وفي سورة الخلق في القرآن الكريم، كان آدم في فردوس الله، وبينما كان نائماً خلق الله له أنثت، من ضلعه. لماذا ورد في الرواية أن حواء هي من ضلع آدم، لماذا هي من آدم، وما هو المغذى من هذه الرواية في حين نحن لا نرى ولا نسمع عن أي رواية تقول أن هناك امرأة خلقت من ضلع رجل. هذه العلاقة بين آدم وحواء وهما في الفردوس هي مهمة جداً. فلنعيد الرواية، نفخ الله في التراب وخلق الله آدم، آدم هو التراب، قبل أن ينفخ الله في التراب كان التراب تراباً أي شيء ميت جامد لا حياة فيه، أما عندما نفخ الله في التراب أصبح التراب إنساناً، إنه آدم، إذا اعتبرنا أن الله هو طاقة الوعي، نعيد العبارة بالقول عندما كان التراب هامداً كان تراباً، وعندما تغلغل الوعي في التراب أصبح التراب واعياً، أصبح إنساناً. ومن ثم وعندما كان هذا الإنسان وحيداً غير متفاعل، وفي حالة الهمود، انبثقت منه حواء، تقول الرواية أنه بينما كان آدم نائماً أخذ الله ضلعاً من ضلوعه وأوجد منه حواء، وهنا نرى بهذا القول أن وجود آدم هو الركيزة لوجود حواء. وهنا علينا أن ننتبه لهذا القانون في الطبيعة أن التالي يرتكز دوماً على السابق. وفي تلك المرحلة كانا لا يزالان في الفردوس. فلنشرح هذه العناصر الثلاث أولاً، الفردوس هو الحقل غير الظاهر، إنه المطلق إنه الحقل الموحد في نظرية الفيزياء.
أما آدم فهو انعكاس للطاقة الكونية، بل هو الطاقة الكونية في الحقل الموحد، أنه يمثل حالة الديمومة، ديمومة الطاقة، وهو مسبب للتفاعل ولكنه لا يتفاعل، أما حواء التي أتت منه والتي هي جزء منه، هي حقل الجاذبية في الاكتشافات العلمية، لا يمكن للجاذبية أن توجد لولا وجود طاقة الحقل الموحد، وحقل الجاذبية هذا يبدأ من الحقل الموحد، تماماً كما أتت حواء من ضلع آدم، ومن ثم على هذا المستوى تتهيأ عناصر المسرحية الكونية. بوجود حقل الجاذبية يوجد الزمان والمكان وتبدأ الرواية الكونية.
وتتابع الرواية بأن حواء أغرت آدم كي يأكل من شجرة المعرفة بالرغم من أن الله كان قد أوصاهما أن لا يأكلا من هذه الشجرة. ولكن بهذا العمل هناك عنصر آخر يدخل في الرواية وهي الحية، الحية هي العنصر الدافع، هذا الاندفاع قد أتى نتيجة لاعتقاد الحية أنه عندما يأكل آدم من شجرة المعرفة سوف يصبح عليماً بكل شيء ويصبح بمقام الله. ولكن هذا الاعتقاد لم يكن صحيحاً. لقد أخطأت الحية عندما اعتقدت ذلك، إن تفاعل الحيّة كان قوياً جداً بحيث دفع حواء لإغراء آدم كي يأكل التفاحة، بالرغم من أن الله قد أوصاهما بعدم القيام بذلك. الحيّة هي التي فكّرت الفكرة الأولى منذ البدء، وحواء تأثرت بالفكرة وتفاعل مع آدم. إن آدم هنا يظهر كالأرضية التي تتنابض عليها حواء. وهنا نرى بوضوح التفاعل القوي للحية في رواية الخلق الواردة في الديانات الحديثة. فبالرغم من وصية الله لعدم الأكل من الشجرة المحرمة، كانت الحية قوية جداً لتجعلهما يعصيان وصية الله. هذه التفاعل القوي هو ليس سوى التعبير عن حقل التفاعل القوي كما تشرحها علوم الفيزياء. وخطأ الحية في اعتقادها أن آدم سيصبح كلي المعرفة في مقام الله، يظهر جلياً في علوم الفيزياء بما يعرف في انكسار التناظر، break in symmetry، بناء لنظريات الفيزياء إن انكسار التناظر للطاقة الكونية جعل هذه الطاقة تدور خارج إطار محورها وبالتالي تتوسع بشكل حلزوني كما نرى صور المجرات. لو لم يكن هناك انكسار لهذا التناظر، كما تقول علوم الفيزياء، لبقية الطاقة تدور على محورها، ولما كان الوجود قد ظهر. وهكذا تماماً لو لم تفكر الحية وتخطئ، لما كان آدم أكل التفاحة ولما كان نزل من الفردوس، ولما كان وُجد هذا الكون كله.
وهكذا نكون قد شرحنا في هذه المقالة عن ثلاثة عناصر من المستويات الخمسة، وسنتابع في المقالة التالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق